فصل: التاسعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة **


 التاسعة قال الحليمي يسن أن يعطي لله فإن نوى شكر نعمته أو دفع نقمته لم يضر وقال الماوردي‏:‏ إنما يكون على الغنى صدقة إذا قصد بها وجه الله وابتغاء ثوابه فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة‏.‏

العاشرة يستحب أن يتحرى التصدق بالماء فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه منها الحديثان السابقان‏.‏

ومنها أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة‏:‏ أن أمه ماتت فقال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلمك ‏(‏إن أمي ماتت فأتصدق عنها قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فأي الصدقة أفضل قال‏:‏ سقي الماء‏)‏‏.‏

وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا‏.‏

ورواه النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا لكنه اعتضد بالحديثين الصحيحين السابقين وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم تعتضد لأنها فتشت فوجدت منقولة على أن المرسل يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد‏.‏

ومر في الكلام على الأحاديث حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام وإلا فالتصدق بالطعام أفضل‏.‏

الحادية عشرة تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة أو شاة ذات لبن فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة السابقة‏.‏

الثانية عشرة يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ‏}‏‏.‏

ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَن تَنالوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون‏}‏‏.‏

وورد‏:‏ ‏(‏من لبس ثوبا جديدا ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به لم يزل في حفظ الله حيا وميتا‏)‏‏.‏

وليس هنا تصدقا بالرديئين بل هو مما يحب فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة‏.‏

الثالثة عشرة قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة أي للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة وقد قدمت منها حديث الشيخين‏:‏ ‏(‏من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل‏)‏‏.‏

والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو ويقال بكسر الفاء وإسكان اللامن هو ولد الفرس في صغره‏.‏

ومنها حديث مسلم أيها الناس ‏(‏إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين‏)‏ قال الله عز وجل‏:‏ ‏(‏يا أَيُّها الرُسُلُ كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحًا إِنَّي بِما تَعمَلونَ عَليمٌ‏)‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ ما رَزَقناكُم‏}‏ ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب‏:‏ يا رب ومطعمه حرامه ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك‏)‏‏.‏

الرابعة عشرة قال الجرجاني من أصحابنا‏:‏ يستحب الصدقة بعد كل معصية‏.‏

انتهى‏.‏

ومنه الصدقة في واطئ الحائض بدينار لمن وطئ ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن وطئ زمن إدباره وضعفه والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة‏.‏

الخامسة عشرة قال الحليمي من أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده‏.‏

انتهى‏.‏

وينبغي في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله‏.‏

السادسة عشرة صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض لحديث الشيخين‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم قال‏:‏ أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا الا وقد كان لفلان‏)‏‏.‏

السابعة عشرة قال النووي رحمه الله في المجموع يستحب استحبابا متأكدا صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل والجيران والأصهار وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته والإحسان إليهم‏.‏

وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح جمعت معظمها في رياض الصالحين‏.‏

انتهى ومر منها جملة‏.‏

الثامنة عشرة مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة أحد المتصدقين منها خبر الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين‏)‏ أي بالتثنية والجمع‏.‏

قال السرخسي وغيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره بما أذن فيه صريحا وبما لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به فإن لم تعلم حرم عليها‏.‏

ومرادهم بالعلم هنا ما يشمل الظن‏.‏

قال في المجموع وهذا التفصيل متعين وعليه يحمل الأحاديث الواردة في ذلك وهكذا حكم المملوك المتصدق من مال سيده على هذا التفصيل‏.‏

وتلك قد مر معظمها منها حديث الشيخين‏:‏ ‏(‏إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا‏)‏‏.‏

وحديث لمسلم‏:‏ ‏(‏لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره نصف أجره له‏)‏‏.‏

أي إن علمت أو ظنت رضاه فلها أجر وله أجر كما مر‏.‏

وروى مسلم‏:‏ ‏(‏عن عمير مولى آبى اللحم ‏)‏بهمزة ممدودة مع كسر الباء‏)‏ قال‏:‏ أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فعلم بذلك مولاي فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه فقال‏:‏ لم ضربته فقال‏:‏ يعطي طعامي بغير أن آمره فقال‏:‏ الأجر بينكما‏)‏‏.‏

وهذا محمول على أنه ظن أن سيده يرضي بذلك القدر فلم يرض لاحتياجه إليه بمعنى آخر فيثاب السيد على إخراج ماله ويثاب العبد على نيته‏.‏

وفي رواية لمسلم أيضا قال‏:‏ ‏(‏كنت مملوكا فسالت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أأتصدق من مال مولاي بشيء قال‏:‏ نعم والأجر بينكما نصفان‏)‏‏.‏

وهذا محمول على ما يرضى به سيده‏.‏

والمراد بما جاء في هذه الأحاديث من كون الأجر بينهما نصفين أنه قسمان لكل واحد أجر ولا يلزم أن يكونا سواء فقد يكون أجر صاحب الطعام أكثر وقد يكون أجر المرأة والخازن والمملوك أكثر بحسب قدر الطعام وقد التعب في إنفاذ الصدقة وإيصالها إلى المسكين‏.‏

العشرون

 

اليد العليا خير من اليد السفلى

ثم في رواية‏:‏ ‏(‏فإن العليا المنفقة والسفلى السائلة‏)‏‏.‏

وفي أخرى للبخاري‏:‏ ‏(‏العليا المنفقة‏)‏‏.‏

وفي أحاديث والله أعلم‏.‏

الحادية والعشرون يحل أخذ صدقة التطوع لآل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما مر‏.‏

وأما هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيحرم عليه الجميع تمييزا لمرتبته الشريفة على مرتبة غيره‏.‏

إذ في الصدقة مطلقا نوع منه وذلك وسخ فنزه مقامه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن ذلك بالكلية‏.‏

وجاز تطوعها لآله لأنه ليس فيها كبير ذلك بخلاف نحو الزكاة فإن الوسخ فيها محقق إذ هي طهرة للمال وصاحبها كأنه مجبور عليها لوجوبها وتحتمها عليه فليس فيها غالبا من رضى الثانية والعشرون قال في المجموع يحل للأغنياء أخذ صدقة التطوع بلا خلاف فيجوز دفعها غليهم ويثاب دافعها عليها ولكن المحتاج أفضل ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها‏.‏

قال صاحب البيانك ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة‏.‏

وهذا الذي قاله صحيح وعليه حمل الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏أن رجلا من أهل الصفة توفي فوجد له ديناران فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ كيتان من نار‏)‏‏.‏

وأما إذا سأل الغني صدقة التطوع فقد قطع صاحب الحاوي والسرخسي وغيرهما بتحريمها عليه‏.‏

قال صاحب الحاوي‏:‏ إن كان غنيا عن المسألة بمال فسؤاله حرام وما يأخذه يحرم عليه هذا لفظه‏.‏

وقال الغزالي وغيره من أصحابنا في كتاب النفقات‏:‏ وفي تحريم السؤال على القادر على الكسب وجهان‏.‏

ففي الأحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهي عن السؤال وظواهره كثيرة تقتضي التحريم‏.‏

وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه وصرح به الماوردي وهو ظاهر انتهى كلام المجموع‏.‏

وأفهم قوله ويكره له التعرض لها إذا كان أخذ الغني لها بلا تعرض خلاف السنة وليس مكروها وهو ما أفهمه كلام الروضة أيضا‏.‏

وأما قول الأسنوي إنه مكروه ففيه مفسدة كتأذ وقطيعة رحم وإلا فالأولى الأخذ إذا كان المال حلالا لا شبهة فيه وإلا ندب له الرد وإن حصل ما ذكر نقله في المجموع واعتمده من أن الغني متى أظهر الفاقة حتى أعطيها أو سالها فأعطيها حرم عليه هو المنقول المعتمد‏.‏

قال الأذرعي لا يكون دفعها إليه سنة بل إما مكروه أو حرام‏.‏

انتهى‏.‏

وجزم في محل آخر بالحرمة‏.‏

والذي يتجه عدم الحرمة لقولهم‏:‏ قد يجوز الإعطاء ويحرم الأخذ كما في الرشوة على حق وكما يعطي للشاعر خوفا من لسانه‏.‏

ثم رأيت النووي صرح بما ذكرته من عدم الحرمة في شرح مسلم وكان وجه ما ذكرته من القياس على ما قالوه في هذين الفرعين‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد يقال بينهما وبين ما نحن فيه فرق واضح فإن الراشي على الحق معذور لأنه يستخلص بذلك ماله مثلا وكذلك معطي الشاعر يستخلص عرضه منه فهما معذوران فجاز لهما الإعطاء لعذرهما ولم أر أن فيه إعانة على معصية وهي الأخذ بخلاف مسألتنا فإنه لا عذر لمعطي الغني مع سؤاله أو إظهار الفاقة فكان القياس ما جزم به الأذرعي من الحرمة لا ما ذكرته كشرح مسلم من عدمها‏.‏

قلت‏:‏ سبب تحريم أخذ الغني مع السؤال وإظهار الفاقة رعاية حق المعطي كما هو ظاهر فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا أي تغرير المعطي فلما كان سبب التحريم رعاية حق المعطي كما هو ظاهر فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا أي تغرير المعطي فلما كان سبب التحريم رعاية جانب المعطي لم يتجه القول بحرمة إعطائه لمن سأله أو أظهر له الفاقة لأنه لم يقصد بالإعطاء إلا البر والصلة بخلاف من علم من الآخذ أنه يصرف ما يأخذ في محرم فإنه بالإعطاء له معين له على تلك المعصية فافترقا ثم المراد بالغني الذي يحرم عليه الأخذ مع السؤال أو إظهار الفاقة هو الغني في العرف وهذا ما قاله الصميري لكن ضبطه الغزالي بأنه الذي يجد ما يأكله هو من في نفقته في يوم وليلة وما يسترهم عن الناس من ثوب وسراويل ومنديل وما يحتاجون إليه في أكلهم من الآنية ويكفي أن يكون من الخزف‏.‏

قال‏:‏ ولا يجوز أن يسأل ما يحتاج عليه بعد يومه وليلته إلا ألا يتيسر السؤال عند نفاد ما عنده فله طلب ما يحتاجه لسنة بخلاف ما إذا كان يتسر عند نفاد ذلك فلا يجوز له السؤال قبل نفاده‏.‏

انتهى‏.‏

قال الأذرعي‏:‏ وينبغي جواز طلب ما يحتاج غليه إلى وقت يعلم بالعادة تيسر السؤال فالاستغناء ولا يتجاوز ما اعتمده في المجموع من أن السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب ليس بحرام ولا مكروه وهو المعتمد أيضا‏.‏

وفي الجواهر وغيرها عن الغزالي‏:‏ يباح السؤال لضرورة كجوع وعري ولحاجة مهمة كمن لا جنة له وتأذى بالبرد وكأجرة مركوب لمن يشق عليه البرد والمشي وترك السؤال أولى‏.‏

أما السؤال لحاجة غير مهمة لثوب يتجمل به ومحمل يركب فيه مع وجود الراحلة فإن أظهر الحاجة أو شكى الله تعالى أو تذلل أو ألح في الطلب حرم وإلا كره‏.‏

ويحل السؤال للمستغرق في طلب علم شرعي وإن قدر على الكسب والاكتساب أفضل من التخلي للعبادة ويحرم سؤال واحد كفاية يوم وليلة وله مؤنة وله سؤال قوته ولو لسنة ولو لم يتيسر له الطلب وقت حاجة‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وقوله‏:‏ يباح السؤال للضرورة مراده ما يعم الواجب كما أنه ظاهر أنه يجب السؤال على مضطر توقفت إزالة اضطراره الذي يخشى منه مبيح تيمم على السؤال‏.‏

وقوله‏:‏ ترك السؤال أولى أي في الشق الثاني والكلام في مجر تأذ خفيف بالبرد أو المشي إما بأن يخشى منه مبيح تيمم فيجب معه السؤال كما علم مما مر آنفا لأنه ليس من قسم الحاجة المهمة بل من قسم الضرورة وظاهر تخصيصه حرمة السؤال مع أحد الأحوال الأربعة‏:‏ الذل أو الإلحاح أو الشكوى أو إظهار الفاقة بالحاجة غير المهمة‏:‏ جواز السؤال مع الضرورة أو الحاجة المهمة مع أحد هذه الأربعة بل مع وجودها كلها وهو ظاهر إن لزمه السؤال في الحالة التي قدمتها أما حيث لم يلزمه فلا يجوز له مع واحد من هذه الأربعة كما صرح به في الخادم واقتضاه قول النووي في شرح مسلم من أذل نفسه إذلالا زائدا على ذل السؤال أو ألح فيه وأذى المسؤول حرام باتفاق‏.‏

انتهى‏.‏

ويؤيده ما يصرح به قول ابن الصلاح والسؤال مع التذلل وإلحاح وإيذاء المسؤول حرام وإن كان محتاجا‏.‏

والواو في كلامه بمعنى أو كما علم من كلام شرح مسلم ومما يصرح بذلك أيضا وبما قدمته بحثا قول الإمام السؤال مع الإيذاء حرام مطلقا ومع الحاجة جائز والتعفف عنه أولى ولغير حاجة مكروه إلا في مباسطة الأصدقاء وواجب عند الضرورة‏.‏

انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ إنه لغير حاجة مكروه على غير الحاجة المهمة أو على الفقير وقوله‏:‏ والتعفف عنه أولى يقتضي أنه غير مكروه وبه صرح في المجموع نقلا عن الماوردي كما مر نقلا عنه لكن اعترض بأن الذي في حاوي الماوردي الجزم بالكراهةن ويرد بأن النووي لم ينقله عن الحاوي حتى يعترض عليه بذلك وإنما نقله عن الماوردي فلعل كلامه اختلف في كتبه النووي عدم الكراهة فلا يرد عليه ذلك الاعتراض هنا‏.‏

وإعتراض تجويزهم السؤال ولو مع الحاجة فإنهم ذكروا لتحريمه أسباباس وفي إظهار الحاجة والشكوى والذل والإلحاح والإيذاء والالتزام بالذل حياء والسؤال مطلقا لا يخلو عن واحد من هذه فأين المحل الذي يجوز فيه‏.‏

وأجاب الغزالي عن ذلك‏:‏ بأن الأولين يندفعان بأن يظهر شكر الله تعالى والاستغناء عن الخلق ولا يسأل سؤال محتاج ويندفع الثالث بسؤال نحو قيبه أو صديقه أو سخي يعلم منه أنه لا ينقص بذلك في عينه والرابع بأن لا يعير بالسؤال أحدا فإن كان من القوم شخص تنظر إليه الأعين لو لم يبذل كان سؤاله إيذاء‏.‏

قال‏:‏ ومتى أخذ شيئا مع العلم أي أو الظن بان باعث المعطي الحياء منه أو من الحاضرين لولولاه ما ابتدأه به فهو حرام إجماعا ويلزمه رده أو رد بديله إليه أو إلى وارثه‏.‏

انتهى‏.‏

قال الحليمي وإذا لم يجد المسؤول شيئا فليدع لسائله بالرزق وغيره‏.‏

وقال‏:‏ ورد السائل صغيرة فإن انضم إليه نهره كبيرة‏.‏

انتهى‏.‏

وما ذكره من الدعاء واضح وأما قوله إن رده صغيرة الخ فغريب جدا اللهم إلا أن يحمل على مضطر علم بحاله فرده صغيرة بل كبيرة كما هو ظاهر لما فيه من عظيم الإيذاء ومن الامتناع من البذل الواجب عينا عليه ويؤيد ذلك قول الأذرعي عقب كلام الحليمي وهو غريب جدا لكن يتجه في المعذور والمضطر مع العلم بحاله‏.‏

انتهى‏.‏

الرابعة والعشرون قال الغزالي قد يعطي الإنسان المال لغيره تبرعا لحاجة إليه أو لنسبه أو لصلاحه ونحوه فإن علم الآخذ أنه أعطاه إياه لحاجته لم يحل له الأخذ إلا أن يكون محتاجا وإن علم أنه يعطيه لشرف نسبه لم يحل له الأخذ إن كان كاذبا فيه وإن علم أنه أعطاه لعلمه لم يجز له الأخذ إلا أن في العلم كما يعتقده المعطي وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إلا أن في العلم كما يعتقده المعطي وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إن كان فاسقا في الباطن فسقا لو علم به المعطي لما أعطاه‏.‏

انتهى‏.‏

وفي العلم في جميع ذلك غلبة الظن كما هو ظاهر وقضية قوله لا بد أن يكون في العلم كما اعتقده أنه لا بد أن يكون في الدين والصلاح كما ظنه المعطي وإلا لم يجز له الأخذ وإن لم يكن عنده فسق أصلا‏.‏

الخامسة والعشرون يندب التصدق على الكافر للأحاديث الصحيحة السابقة ‏(‏في كل كبد رطبة أجر‏)‏‏.‏

ولا فرق بين الحربي وغيره كما أفاده صريح قول المجموع‏:‏ من تصدق على كافر ولو حربيا فله أجر في الجملة فاستفيد منه ندب التصدق ولو على حربي‏.‏

وكأن الأذرعي والزركشي لم يستحضرا عبارة المجموع هذه حيث نقل الثاني حرمة التصدق على الحربي وسكت عليها‏.‏

وحيث قال الأول هنا أي حل الصدقة على كافر في نحو من له عهد أو ذمة أو قرابة أو يرجى إسلامه وإلا ففي جواز الصدقة عليه بما له وقع من المال نظر ولا سيما إذا كان يحمله إلى دراهم‏.‏

انتهى‏.‏

والجواز ظاهر جدا وإنما الكلام في الندب‏.‏

وقد علمت أن عبارة المجموع مصرحة به نعم إن كان بإعطائه مرتب مفسدة والذي ينبغي حرمته و شمل كلامه حل التصدق على الكافر ولو من أضحية التطوع لكن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في البويطي على المنع‏.‏

السادسة والعشرون قال الغزالي اختلف العلماء في أن الأفضل للإنسان أن يكتسب المال ويصرفه إلى المستحقين أو يشتغل بالعبادات وهذا فيمن يسلم من آفات الدنيا وإلا فالعبادة له أفضل وينبغي أن يجتهد في ذلك ويزن الخير والشر ويفعل ما يدل عليه نور العلم دون طبعه وما يجده أخف على قلبه فهو في الغالب إصر عليه لأن النفس لا تشير إلا بالشر‏.‏

انتهى‏.‏

يكره إمساك الفضل غير المحتاج إليه كما بوب عليه البيهقي واستدل له وسيأتي في الحادية والثلاثين لذلك مزيد تحرير‏.‏

وذكر ذلك في المجموع ما يناسب ذلك حيث قال‏:‏ ما حاصله‏:‏ فرع في ذم البخل والشح والحث على الإنفاق في الطاعات ووجوه الخيرات قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحون‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَجَعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنقِكَ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَما أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهوَ يُخلِفُهُ‏}‏‏.‏

وفي حديث مسلم‏:‏ ‏(‏واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم‏)‏‏.‏

وروى الشيخان أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر‏:‏ اللهم أعط مسرفا تلفا‏)‏‏.‏

وروي أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏:‏ أنفق أنفق عليك‏)‏‏.‏

وروي مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏في شاة ذبحوها وتصدقوا بها إلا كتفها وروى أيضا‏:‏ أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله‏)‏‏.‏

ومرت هذه الأحاديث في جملة الأحاديث السابقة‏.‏

وبحث بعضهم أنه لا يكره إلا إمساك ما زاد عن سنة‏.‏

ويؤيده أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربما حزن لعياله قوت سنتهم ومن ثم قالوا‏:‏ لو كان بالناس ضرورة وعنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله سنة لزمه بيع الفضل فإن لم يفعل أجبره السلطان على بيعه‏.‏

انتهى‏.‏

فأبقوا له قوت السنة مع ما بالناس من الضرورة ولم يجوزا إجباره على بيع شيء منه والكلام في غير حالة الإضطرار والإلزام غير المحتاج حالاس وإن إحتاج مالا لليع كما مر أوائل هذا الباب في الروضة في باب السير عن الإمام وأقراه أنه يجب على الموسرين المواساة بما زاد على كفاية سنة‏.‏

الثامنة والعشرون قال في المجموع يكره للإنسان أن يسأل بوجه الله إلا الجنة وصح بإسناد على شرط الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏فاثنوا عليه بدل فادعوه له‏)‏‏.‏

ومر الحديث بطرقه‏:‏ قال الحليمي‏:‏ ولو سأل الفقير بالله تعالى فإن علم أن المسؤول يهتز لإعطائه جاز له ذلك وإن كان ممن يتلوى ويتضجر ولا يأمن أن يرده فحرام عليه السؤال بالله تعالى‏.‏

انتهى‏.‏

وظاهر كلام المجموع عدم الحرمة مطلقا وله وجه ظاهر‏.‏

التاسعة والعشرون قال في المجموع أيضا إذا عرض عليه مال من حرام على وجه يجوز أخذه ولم يكن فيه مسألة ولا إشراف ولا يطلع إليه جاز له أخذه بلا كراهة ولا يجب وقال بعض أهل الظاهر‏:‏ يجب‏.‏

وفي المسألة أحاديث تقدم كثير منها وفيها ما ظاهره وجوب القبول لكنه محمول عند العلماء على أنه أمر ندب نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإذا حَلَلتُم فاصطاوا‏}‏‏.‏

ومن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان‏:‏ عن عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ ‏(‏كان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يعطيني العطاء فأقول‏:‏ أعطه أفقر إليه مني حتى أعطاني مرة مالا‏.‏

فقلت أعطه أفقر إليه مني فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ خذه وما جاءك من هذا المال وأنت عليه غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك‏)‏‏.‏

وكان عبد الله ابنه لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه‏.‏